15 نوفمبر 2025 04:49
الرئيسيةأخبارالبعد الروحاني لأداء مناسك العمرة .. بين تطهير النفس وتحديات العصر

البعد الروحاني لأداء مناسك العمرة .. بين تطهير النفس وتحديات العصر

تعد العمرة رحلة لتجديد العهد بين العبد وربّه، ومقاما تسمو فيه الأرواح فوق أثقال الأرض وشهوات النفس، طلبا للسكينة في رحاب بيتٍ أذن الله أن يُرفع ويُذكر فيه اسمه. غير أنّ هذه العبادة، التي شُرعت لتطهير النفس وتزكيتها ونبذ العنف، أضحت تتداخل فيها مقاصد العبادة بنزعات العادة، عرضة للتحريف والابتداع، فبهت صفاؤها الروحي وقلّ حضور معناها الإيماني.

ولم يسلم البعد الروحي السامي من شوائب العصر؛ إذ غلبت على كثير من المعتمرين مظاهر الرياء والتفاخر، بعدما اختلطت الروحانيات بالمظاهر وتحوّلت الرحلة التعبدية إلى مناسبة للعرض والظهور، فغاب المقصد وبهت نور العبادة وصارت العمرة عادة لا عبادة.

في هذا السياق، قال الدكتور محسن اليرماني، باحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان، إن العمرة رحلة إيمانية تعبدية، ترتقي فيها روح المعتمر إلى مدارج السالكين، ليحقق بذلك منتهى العبودية لله تعالى طاعة ومحبة، واصفا إياها برحلة الفرار إلى الله التي يفر فيها العبد من هموم الدنيا وآلامها إلى رب واسع الكرم سميع مجيب.

وأضاف اليرماني، في حديث لصفوة، أن العمرة رحلة يتضرع فيها العبد إلى مولاه باكيا، خاشعا يرجو رحمته وعفوه ومغفرته، فتسمو نفسه وتصفو روحه ويهدأ خاطره ويصلح باله في رحلة سلمية تسعى لتحقيق الأمن والسلم ونبذ العنف والقتال، موردا أن “الرسول ﷺ رأى رؤيا-ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي من الله-أنه يدخل مكة هو وأصحابه لأداء مناسك العمرة في أمان بلا خوف، قال الله تعالى: ﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ﴾ فخرج النبي ﷺ مع صحابته من المدينة وأرسل إلى قريش بمكة قائلا: (بعدما اختلطت فيه الروحانيات بالمظاهر إنما جئنا عمارا ولم نأت لقتال)”.

وأكد الباحث المغربي أن العمرة تعد من أعظم شعائر الإسلام التي حث النبي ﷺ على المداومة عليها، لأنها تسعى لتحقيق العديد من المقاصد الروحية والتربوية والاجتماعية، فضلا عن كونها دورة تدريبية للنفس الإنسانية على معاني السمو والرقي.

واعتبر الباحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان تزايد عدد العمار في السنوات الأخيرة مؤشرا على ارتفاع منسوب التدين في الأمة الإسلامية، مستدركا بأن “المتأمل في حال المعتمرين سيجد أن هذه العبادة كمثل سائر العبادات الأخرى التي التبس فيها الحق بالباطل، والسنة بالبدعة، والإخلاص بالرياء والسمعة، واختلط ما هو ديني محض بما هو نفعي ودنيوي، وأضحت مجالا عند كثير من المعتمرين للكسب المشروع وغير المشروع في بعض الأحيان”.

وأوضح أن هذه العبادة التي تهدف إلى تزكية النفس وتهذيبها بالقيم النبيلة والأخلاق الحميدة، “تحولت إلى مجرد رحلة سياحية الغرض منها التباهي على مواقع التواصل بالتقاط الصور في الفنادق أو بجانب المقدسات والحرمات، وصارت عند المكثرين منها أقرب إلى العادة منها إلى العبادة، فيرجع المعتمر بعد أدائه لمناسك العمرة أسوأ حالا مما كان عليه قبل ذلك”، وفق تعبيره.

وقال حمزة اليوسفي، باحث في مجال الدراسات الإسلامية والفكر الصوفي، إن العمرة شعيرة من شعائر الله العظيمة، موردا أن “الله سبحانه جعلها من أسباب تكفير الذنوب ورفع الدرجات، كما ورد في الحديث: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، إلا أن الشرع الحكيم لم يشرع هذه المناسك لتكون طقوسا جوفاء فارغة من روحانيتها وجوهرها، وإنما جعل لكل منها حكمة ومقصدا”.

وأورد المتحدث أن شعيرة العمرة ما شرعت إلا من أجل غاية ومقاصد كثيرة وحكم جليلة، منها “إظهار العبودية لله تعالى والامتثال لأمره”، و”شعور العبد بالافتقار أمام عظمته وملكه”، و”تعظيم البيت الحرام الذي هو من حرمات الله المطلوب تعظيمها”، و”التحقق بالتقوى من خلال الترقي في وسائل تزكية القلب والنفس وعروج الروح في بيت مُقدس جعله الله تعالى قبلة للمسلمين”.

وقال اليوسفي: “لذلك، ينبغي لمن يؤدي هذه العبادة الجليلة أن يستحضر أنها فرصة لتزكية النفس، وتطهير القلب من أدران الذنوب، وإصلاح العلاقة مع الله، ومع سيدنا رسول الله ﷺ”، مشددا على أن “العبرة ليست بعدد مرات أداء العمرة، بل بالأثر الذي تتركه كل عمرة وكل شعيرة في سلوك الفرد وأخلاقه وإيمانه”.