26 يونيو 2025 15:34
الرئيسيةالوطنيةبنعليلو: مكافحة الفساد ليست شأنا حكوميا فقط والصحافة تقرب من المحاسبة الواعية

بنعليلو: مكافحة الفساد ليست شأنا حكوميا فقط والصحافة تقرب من المحاسبة الواعية

أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن مكافحة الفساد ليست شأنًا حكوميًا أو مؤسساتيًا داخليًا فقط، بل هي قضية مجتمع بكل مكوناته، كما قال الملك، تتقاطع فيها أدوار السلطات العمومية، وهيئات الحكامة، والمجتمع المدني، وطبعا، الإعلام المهني المسؤول، بما يملكه من قوة تأثير على الرأي العام، وقدرة على تحويل قضايا الفساد إلى نقاش عمومي عميق ومنتج، لا إلى مجرد زوابع سطحية أو حملات ظرفية.

واعتبر محمد بنعليلو في دورة تكوينية حول “صحافة البيانات ودورها في مكافحة الفساد”، أن “صحافة البيانات” أداة مركزية لترجمة الحق في المعرفة إلى واقع ملموس، وتحرير النقاش العمومي من التعتيم والسطحية وتحويله نحو وجهة تضمن عمق الفهم المبني على جودة المعطيات ودقة الوقائع المقدمة.

وشدد على أن “صحافة البيانات”، ليست مجرد جنس صحفي تقليدي، بل تحوّلًا نوعيًا في آليات التتبع، والتوثيق، والتحليل، والكتابة الصحفية. إنها منهجية اشتغال ترتكز على التحليل الإحصائي، وتقاطع المعطيات، والاستقصاء الوثائقي، بالاعتماد على قواعد بيانات مفتوحة. هدفها إعادة بناء المعلومة المجردة ضمن سردية صحفية قائمة على معطيات دقيقة، تُعرض في شكل قصة مدعومة بالأدلة الرقمية.

وسجل أن الحق الدستوري في المعلومة، يظل ناقصًا ما لم يصاحبه تمكين المواطن من أدوات الفهم والتحليل والاستيعاب، وهنا يبرز دور هذا الجنس الصحفي، القائم على تحليل البيانات، وقدرته على تحويل الأرقام الجافة إلى قصص صحفية حقيقية، تجسد شفافية المعلومة وتُقرب الحقيقة من المواطن.

وفي هذا الصدد ، أبرز أن الممارسة الصحفية المرتكزة على البيانات تنتقل في موضوع لقائنا من مجرد الرصد السلبي للوقائع إلى صناعة الوعي بالمعلومة المؤسِّسة للمساءلة، وتساهم في تحويل المعطيات الرقمية إلى سلطة مضادة فاعلة، تكون بمثابة رادار مجتمعي يلتقط مظاهر الانحراف، ويعيد توجيه البوصلة نحو الإصلاح بعيدا عن مظاهر الاختلاق والإشاعة.

ويرى رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في هذه الصحافة شكلا جديدًا من أشكال تفكيك شبكات المصالح، وتتبع مسارات المال العام، وبالتالي مكافحة الفساد، شكلا، يُقرّب المواطن من آليات الرقابة والمحاسبة الواعية، ويمنحه أدوات الفهم والتفسير، بدل تركه أسير العناوين المبهمة والأرقام الجافة.

وأوضح أن المادة الخام لصحافة البيانات ليست دائمًا سرًّا محميا، أو معلومة مسربة، بل هي موجودة في قواعد البيانات العمومية، وفي التقارير الرسمية، وفي المعطيات المفتوحة، التي تستدعي من الصحفي التحلي بالمهنية والمهارة والأخلاق، وبالقدرة على استخراج المواضيع ذات الصلة بالمصلحة العامة.

وأردف “بالتالي، فإن القانون المتعلق بالحصول على المعلومات، على أهميته، ليس، في موضوع لقائنا، سوى أحد روافد هذه الممارسة. فالمعلومة توجد حيثما كانت الشفافية، وحيثما توافرت الإرادة المؤسسية لإتاحة المعطيات القابلة للتحليل والمطابقة، وهذا ما نسعى في الهيئة الوطنية للنزاهة إلى تعزيزه عبر برامجنا وشراكاتنا الاستراتيجية مع الهيئات والمؤسسات المعنية، ومع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وبطبيعة الحال مع الجسم الإعلامي الذي تعتبر هذه المبادرة إحدى تجلياته الهامة”.

وقال إن المغرب اليوم يعكس وعيًا عميقًا بضرورة تجاوز أنماط التلقي التقليدية، والانخراط في صحافة تعنى برصد التناقضات في السياسات العمومية، وكشف الاختلالات المرتبطة بالتدبير المالي والإداري، صحافة تحقق في المعطى، لا في المصدر فقط.

وأكد محمد بنعليلو، في كلمته، أن دور الإعلام لا يقتصر على مواكبة مسار الإصلاح، بل يمتد ليصبح فاعلًا فيه، عبر مرافقة جهود مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته، معتبرا أن انخراطه في الورش التكويني، دليل على وعي جماعي بدور الإعلام في بناء منظومة النزاهة.

واسترسل موضحا :”فإذا كننا في الهيئة مطالبين بإنتاج المؤشرات والأرقام، فنحن دون أدنى شك محتاجون أكثر إلى وسطاء مهنيين محترفين لإبلاغ الرسائل التي تحملها تلك المؤشرات والأرقام، ونقلها إلى الرأي العام بلغة واضحة، دقيقة ومسؤولة”.

وأفاد أن صحافة البيانات ليست ترفًا تقنيًا، بل معركة مجتمعية دفاعًا عن الحق في المعرفة، وعن الحق في العيش في بيئة نزيهة، مجددا التزام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بمواكبة كل المبادرات التي تستهدف تمكين الصحافة الوطنية من أدوات تحليل البيانات ومراقبة الشأن العام، بما يعزز مكانة الإعلام كفاعل رئيسي في محاربة الفساد، لا كمجرد ناقل للخبر.

وبين أن “ميثاق الشفافية” لا يكتب فقط في تقارير الدولة والمؤسسات، بل يكتب أيضا على صفحات الصحف والمواقع الجادة، ويُبث في منصات الإعلام المسؤول. لذا فإننا نراهن عليكم – كصحفيات وصحفيين – أن تكونوا جزءًا من دينامية وطنية لا تهادن الفساد، ولا تتواطأ مع الصمت، وأيضا لا تنجر وراء السطحية والإثارة، بل تسعى إلى تعزيز الثقة بين المواطن والدولة من خلال معبر الحقيقة.