دورية “طلبة البلدان الإفريقية” تثير الجدل حول حكامة الجامعات المغربية

طرحت الدورية الأخيرة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، حول تسهيل ولوج الطلبة المنحدرين من باقي الدول الإفريقية، جدلا حول “تكافؤ الفرص مع باقي الطلبة الأجانب ومع أشقائهم من الطلبة المغاربة”.
وفيما تعيش الجامعة المغربية على وقع جدل “التوقيت الميسر”، الذي حرم عدة أجراء من استكمال دراستهم الجامعة بسبب الرسوم المرتفعة، جاءت هذه الدورية لتعزز الجدل حول هذا الموضوع.
وقال عبد الناصر الناجي، خبير في المجال التربوي وشؤون قطاع التعليم العالي، إن “تسهيل ولوج الطلبة الأفارقة من جنوب الصحراء ليس تمييزاً بالمعنى السلبي، بل هو أداة ذكية من أدوات القوة الناعمة تسمح للمغرب بأن يبني جسوراً دبلوماسية مع نخب الغد في القارة السمراء، لكن لا ينبغي أن يشكل هذا الانفتاح عبئاً على الطاقة الاستيعابية الأصلية”.
وأضاف الناجي تجارب دولية ناجحة، مثل تركيا أو الصين، تظهر أن حل هذه المعضلة يكمن في إحداث مقاعد إضافية ممولة بشكل مستقل عن ميزانية الطالب المحلي، بحيث لا يشعر المواطن بأن مقعد الأجنبي انتُزع منه قسراً”، وتابع: “تتجلى مفارقة التمييز بوضوح عندما نقارن المرونة الممنوحة للطلبة الدوليين بالانغلاق الذي يواجهه الموظف المغربي مثلا؛ فبينما نطمح إلى إشعاع قاري نجد ‘التوقيت الميسر’ للموظفين مازال يخضع لمزاجية الإدارة، وفي دول كفرنسا وكندا تجاوزت هذا الصراع عبر مأسسة ‘التعلم مدى الحياة’، واعتماد ‘نظام الوحدات’ والاعتراف بالخبرة المهنية، ما يجعل الجامعة فضاءً مرناً يتكيف مع إكراهات العمل، لا عائقاً أمامها”.
وأورد المتحدث ذاته أن “الربط بين ملف الطلبة الأجانب وملف الموظفين يكشف أن الأزمة ليست في من يلج الجامعة، بل في كيفية تدبير الفضاء الجامعي بشكل يضمن الإنصاف وتكافؤ الفرص”.
وهذا الأمر يقتضي، وفق تعبير الخبير ذاته، “مقاربة تدبيرية جديدة تعتمد أولا على الرقمنة الشاملة التي تسهم في حل مشكلة التوقيت للموظفين وتوفر الحيز المكاني للطلبة المتفرغين مغاربة وأجانب على حد سواء، وثانيا على استقلالية التمويل لجعل مقاعد التعاون الدولي ممولة من صناديق الشراكة، ما يسمح بتوسيع البنية التحتية عوض تقاسم الموجود، وثالثا على المرونة القانونية في ما يتعلق بمأسسة الحق في الدراسة للموظفين كجزء لا يتجزأ من إستراتيجية ‘الارتقاء الاجتماعي’”.
وختم الناجي قائلا: “لا يجب أن يكون الانفتاح الإفريقي للمغرب على حساب الإنصاف الوطني، فالجامعة المغربية مطالبة اليوم بأن تكون قاطرة للتنمية الداخلية وواجهة للإشعاع الخارجي في آن واحد”.
من جهته يرى إدريس الفينة، أستاذ جامعي ومختص في الشأن الاقتصادي، أن “الجامعة المغربية كانت دائماً فضاءً لاستقبال الطلبة الأفارقة، وهذا التقليد قديم وشمل أجيالاً درست في مختلف الأسلاك التعليمية من الإعدادي والثانوي وصولاً إلى الجامعي، بما يشمل الطلبة من دول الجوار كالجزائر وتونس”.
وأوضح الفينة أن “تأكيد وزير التعليم العالي الحالي على هذا التوجه يأتي انسجاماً مع الرؤية الملكية التي تضع إفريقيا في صلب اهتمامات المغرب”، مشدداً على أن “دعم التوجه الاقتصادي نحو القارة يجب أن يوازيه دعم ثقافي وأكاديمي متين”.
واعتبر المتحدث أن “الجامعة تعد مؤثراً كبيراً في صناعة القرار المستقبلي داخل الدول الإفريقية، إذ إن العديد من المسؤولين وأعضاء الحكومات الحاليين في دول مثل موريتانيا، السنغال، وكوت ديفوار، هم في الأصل خريجون سابقون من الجامعات المغربية”.
كما أشار الأكاديمي ذاته إلى “أهمية خلق شبكة من الأصدقاء والمسؤولين الأفارقة المكونين في المغرب”، معتبراً أن “وضع كافة الإمكانيات رهن إشارة دول القارة يندرج ضمن إستراتيجية ‘تعاون جنوب-جنوب’ التي ستنعكس آثارها الإيجابية على المدى البعيد”.
وفي الختام لفت المصرح إلى المنافسة الدولية في هذا المجال، مستشهداً بالنموذج الصيني الذي يستقطب مئات الآلاف من الأفارقة، “ما يوجب على المغرب توسيع نطاق استقبال الطلبة لتعزيز حضوره داخل القارة الإفريقية تماشياً مع الرؤية الملكية”، وفق قوله.

تعليقات 0