3 ديسمبر 2025 11:21
الرئيسيةأخبارلماذا اختفت حركة “جيل زد” بالمغرب؟.. قراءة في مسار حراك اجتماعي عابر

لماذا اختفت حركة “جيل زد” بالمغرب؟.. قراءة في مسار حراك اجتماعي عابر

شهد المغرب خلال الأشهر الأخيرة بروز موجة احتجاجية شبابية عُرفت إعلامياً باسم «جيل زد 212»، سرعان ما تراجعت حدّتها إلى أن اختفت من المشهد العمومي. ورغم الزخم الأولي الذي رافق ظهورها، فإن نهايتها السريعة تثير أسئلة جوهرية حول ديناميات الاحتجاج في السياق المغربي، وطبيعة التحولات التي دفعت بالحركة إلى الانطفاء في ظرف وجيز. ومن خلال تتبّع مراحل الحراك، يمكن تحديد مجموعة من العوامل التي ساهمت في تلاشيه تدريجياً.

أولاً: الخطاب الملكي وعودة مركزية الإصلاح من داخل المؤسسات. شكّل الخطاب الملكي أمام البرلمان في افتتاح الدورة التشريعية لشهر أكتوبر نقطة تحوّل مهمة في مسار الاحتجاجات. فقد جاء الخطاب واضحاً في تشخيصه لعدد من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة ما يتعلق بالتعليم والصحة والحماية الاجتماعية وخلق الفرص الاقتصادية للشباب. كما دعا إلى تعميق الإصلاحات وتفعيل السياسات العمومية الهادفة إلى تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

هذا الاعتراف الرسمي بالاختلالات، مقروناً بإرادة سياسية معلنة لمعالجتها، أعاد ترتيب أولويات النقاش العمومي. فبالنسبة لقطاع واسع من المتابعين، بدا أن الاحتجاج لم يعد الأداة الأكثر فاعلية في ظل وجود التزام مؤسساتي بتفعيل إصلاحات هيكلية. وقد ساهم ذلك في تراجع التعاطف الشعبي مع الحركة، التي فقدت جزءاً من شرعيتها المطلبية.

ثانياً: انسحاب مكونات أمازيغية بعد انزلاق الاحتجاجات نحو العنف. عرفت الحركة في بداياتها مشاركة عدد من النشطاء الأمازيغ، ما منحها زخماً إضافياً وقاعدة اجتماعية متنوعة. إلا أن اندلاع أعمال تخريبية في بعض المدن، ونسبة جزء منها إلى مجموعات غير منضبطة، دفع عدداً من الفاعلين الأمازيغ إلى الانسحاب العلني من الحراك، بدعوى ابتعاده عن الطابع السلمي الذي انطلق به.

هذا الانسحاب لم يكن رمزياً فقط، بل كانت له تداعيات عملية كبيرة، بالنظر إلى وزن الحركة الأمازيغية في المشهد الحقوقي والمدني، وإلى قدرتها على التعبئة المنظمة. ومع غياب هذا المكوّن، بدأت الحركة تفقد توازنها الداخلي وديناميتها الميدانية.

ثالثاً: غموض الأهداف والتحوّل السريع من اجتماعي إلى سياسي. رُفعت في البداية مطالب اجتماعية تتعلق بجودة الخدمات العمومية ومحاربة الهشاشة، وهي مطالب تحظى بإجماع كبير داخل المجتمع. غير أنه مع مرور الوقت، اتسعت دائرة الشعارات لتصبح أكثر تسييساً، وصولاً إلى المطالبة برحيل الحكومة دون تقديم رؤية بديلة أو إطار تنظيمي يمكنه حمل مشروع إصلاحي محدد.

هذا التحوّل السريع أربك الرأي العام، وأفقد الحركة بوصلتها الاجتماعية، كما أعطى الانطباع بأن الاحتجاجات تفتقر إلى قيادة موحدة أو برنامج واضح. وتاريخياً، تُعدّ الحركات التي تنزلق نحو العمومية المفرطة دون أفق تنظيمي واضح أكثر عرضة للتشتت والاندثار.

رابعاً: اختراق رقمي وتوجيه خارجي في ظرفية وطنية حساسة. أظهرت متابعة النقاشات الرقمية، خاصة عبر منصات مثل «ديسكورد»، أنّ بعض الأصوات المحسوبة على تيارات معارضة من الخارج حاولت التأثير في مسار الحركة وتوجيهها نحو أجندات سياسية تتجاوز المطالب الاجتماعية الأصلية. ومع تسرّب هذه المعلومات إلى الرأي العام، ساد شعور بأن الاحتجاجات لم تعد تعكس الدينامية الداخلية بشكل خالص.

جاء ذلك في مرحلة دقيقة يستعد فيها المغرب لاحتضان منافسات رياضية دولية كبرى، مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 ومباريات كأس العالم 2030، ما جعل جزءاً مهماً من المواطنين يرفض أيّ شيء قد يسيء لصورة البلاد. وهنا يستحضر تحليل الوضع مقولة اللساني الأمريكي نعوم تشومسكي: «حين تهيمن أصوات خارجية على احتجاج داخلي، يتحول الغضب الشعبي إلى أداة، ويضيع المعنى الأصلي للاحتجاج.» وقد ساهم هذا الوعي الجمعي، الموضوعي في جزء منه والرمزي في جزء آخر، في تسريع انطفاء الحركة.

خامساً: لحظة الإجماع الوطني بعد فوز المنتخب المغربي للشبان. كان فوز المنتخب المغربي للشبان ببطولة العالم في الشيلي حدثاً بارزاً ساهم في تغيير المزاج العام. فقد شكّل هذا الإنجاز لحظة وحدة وطنية، أعادت التأكيد على قدرة المغاربة على تحقيق نتائج استثنائية تحت راية مشتركة. وعادة ما تؤدي لحظات الفخر الجماعي إلى تهدئة التوترات الاجتماعية وإعادة توجيه النقاش نحو أولويات أخرى.

بالنسبة لفئات واسعة من الشباب، كان هذا الانتصار مناسبة لإعادة تقييم المواقف، في سياق يبرز فيه البناء الوطني كخيار طويل الأمد مقابل الاحتجاجات الظرفية ذات الأفق الضيق.

هناك تشابه بين 20 فبراير و«جيل زد»: نهاية متشابهة، ودروس مختلفة. على غرار حركة 20 فبراير، تلاشت حركة «جيل زد» تدريجياً، لكن أثرها غير المباشر سيظل حاضراً. فقد شكّلت هذه الاحتجاجات مناسبة لتذكير الفاعلين السياسيين والمؤسسات بضرورة تعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين الخدمات العمومية، ومعالجة الفوارق المجالية، وفتح آفاق اقتصادية واسعة أمام الشباب.

كما أبرزت هذه التجربة أهمية التواصل المؤسساتي، وضرورة تطوير آليات الوساطة، وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، وهي عناصر أساسية لضمان استقرار أي مسار إصلاحي.

لا يعني اختفاء حركة «جيل زد 212» اختفاء الإشكالات التي أثارتها. لكنه يكشف عن قدرة المجتمع المغربي على امتصاص لحظات التوتر والتحول نحو التوافق في ظل مؤسسات مستقرة. كما يظهر أن المغرب، رغم تحدياته الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية، يواصل مساره نحو التنمية الشاملة، مع حفاظه على رصيده من الأمن والاستقرار، وهما عنصران حاسمان في عالم مضطرب.

إن الدرس الأوسع الذي تتركه هذه الحركة هو ضرورة مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز الثقة، وتحصين المكتسبات، بما يضمن استمرارية التحديث الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المغرب، وفق مقاربة تشاركية تُصغي إلى المجتمع وتستجيب لتطلعاته. وكما قال المفكر الإسباني مانويل كاستلز: «لا تولد الحركات الاجتماعية من المطالب فقط، بل من القدرة على تنظيم الأمل.»