الدورة العشرون لمهرجان “موازين ..فوضى وتنظيم هش يلطخان سمعة المهرجان

شكلت الدورة العشرون لمهرجان “موازين إيقاعات العالم” انتكاسة غير مسبوقة في تاريخه، تجلت في تنظيم فوضوي، وتعاقدات عشوائية مع الفنانين، فضلا عن ارتباك واضح في تسيير الندوات والسهرات، ما قاد جمعية “مغرب الثقافات” وشركة “PR Media” إلى فشل ذريع لم يفلحا في احتوائه.
وجاءت سهرة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، التي اختتمت فعاليات هذه النسخة، لتزيد من تأجيج الرأي العام ضد إدارة المهرجان، بعد أن شهدت تجاوزات اعتُبرت مسيئة للجمهور، إلى جانب ما اعتُبر “عقدة الأجنبي”، إذ خضعت الجهة المنظمة لشروط غير مهنية فرضتها الفنانة، ما أثار استياء واسعا.
وأعادت هذه السهرة إلى الواجهة جدل آلية التعاقد مع الفنانين، التي باتت في حاجة إلى مراجعة شاملة، تضمن المهنية والالتزام، خصوصا وأن المهرجان يستقطب جمهورا واسعا، بعضه يدفع مبالغ مالية لحجز مقاعد في الصفوف الأمامية، في حين ينتظر آخرون لساعات من أجل الدخول المجاني، بحسب آراء منتقدة.
وتواصل إدارة المهرجان مواجهة انتقادات لاذعة، وسط مطالبات متزايدة بإسناد التنظيم لجهة أكثر كفاءة، بعد أن فشلت الإدارة الحالية في الحفاظ على الحد الأدنى من الجودة، منذ اليوم الأول، الذي عرف ارتباكا كبيرا، خاصة على مستوى التواصل مع الصحافيين، وغياب وضوح في البرمجة، إلى نهاية سوداوية.
وتفاجأ جمهور المهرجان بتعاقدات مع أسماء فنية مغمورة، لا تملك أي رصيد فني يذكر، حيث كشفت مصادر جيدة الإطلاع، عن وجود لوبيات تفرض أسماء بعينها بناء على اعتبارات المحسوبية والمصالح الخاصة ما حول المهرجان إلى منصة مفتوحة أمام الجميع، دون اعتبار للمسار الفني أو لمعايير النجاح.
وفي خطوة أثارت الكثير من الجدل، فرضت إدارة المهرجان على عدد من الفنانين العرب والأجانب حمل قميص المنتخب المغربي لأخذ صور دعائية اعتبرها متابعون مستفزة وخارج السياق، معتبرين أن المغرب ليس بحاجة إلى تسويق قسري لهويته الوطنية في محافل فنية، بل إلى احترافية تليق بسمعة مهرجان دولي.
وفيما يلي أبرز هفوات “مهرجان موازين” في نسخته الـ20:
تقنية “البلاي باك” تُغضب الجمهور وتتسبب في جدل واسع
لم تكن الفنانة شيرين عبد الوهاب الوحيدة التي غنت باستخدام تقنية “البلاي باك” في الدورة العشرين من مهرجان موازين، إلا أن سهرتها كانت الأكثر إثارة للجدل، وتعرضت لهجوم واسع تجاوز حدود المغرب إلى العالم العربي، إذ تساءل كثيرون عن جدوى التعاقد معها وهي لا تزال غير مؤهلة نفسيا وفنيا للوقوف أمام الجمهور.
والمشكلة لم تقتصر على الغناء المسجل الذي فُرض على الحضور، رغم وجود فرقة موسيقية خلفها، بل امتدت إلى تعنت شيرين في الصعود إلى المنصة، إذ تأخرت لساعات بسبب نزاع مالي، ورفضت ارتداء زي لائق بالمسرح، كما رفضت إجراء أي تدريبات مسبقة.
ورأى كثيرون أن هذه السهرة شكلت “سكتة فنية” في مسار شيرين عبد الوهاب، بعدما خيبت آمال جمهورها الذي انتظر حفل الختام بشغف، ووضع إصرار الجمهور على الأداء الحي شيرين في ورطت، إذ بدت بصوت باهت، تخللته نشازات واضحة وخروج عن الإيقاع، لتفقد في أعين كثيرين لقب “صوت مصر”.
وكان لافتا أيضا ظهورها في حالة شرود وعدم تركيز، إذ غادرت المسرح أكثر من مرة نحو الكواليس، في تصرف فسره المتابعون بأنه انعكاس لعدم جاهزيتها النفسية والفنية، ما عزز دعوات لها بضرورة التفرغ للعلاج والتأهيل قبل العودة إلى الساحة.
ولم تسلم سهرات الراب من انتقادات مماثلة، إذ تصدر فنانو هذا اللون الغنائي لائحة الأداء بـ”البلاي باك”، وعلى رأسهم “طوطو”، و”سبعتون” و”درغانوف”، الذين فضلوا تجنب الإحراج أمام الجمهور بإخفاء محدودية أدائهم الصوتي، لتشمل الانتقادات أسماء مثل “Duke”، و”لازارو”، بالإضافة إلى فنانين غير معروفين.
وبرز على وجه الخصوص الفنان “لازارو” الذي أثار موجة من السخرية بعد ظهوره على منصة سلا، إذ اعتبره كثيرون غير مؤهل للصعود إلى إحدى أكبر منصات المهرجانات المغربية، منتقدين صوته الضعيف وخروجه المتكرر عن الإيقاع، وذهب البعض إلى حد وصف أدائه بأنه “أشبه بالغناء في حمام منزله”، في إشارة إلى الافتقار إلى الحد الأدنى من الاحترافية.
وأكد متابعون أن نجاح أغنية أو اثنتين على المنصات الرقمية لا يبرر تلقائيا استدعاء فنان لأداء حي على مسرح دولي، مطالبين بضرورة إعادة النظر في معايير اختيار الفنانين المشاركين، للحفاظ على سمعة المهرجان وتقديم عروض تليق بالجمهور الواسع الذي يواكب فعالياته سنويا.
برمجة فنية غير متوازنة واختيارات تثير الاستياء
لم تقتصر الانتقادات الموجهة لمهرجان “موازين” في دورته العشرين على الأداء الصوتي، بل طالت كذلك برمجته الفنية التي وُصفت بغير المتوازنة، إذ جرى في عدد من السهرات الجمع بين فناني الراب والموسيقى الشعبية والراي، رغم اختلاف جمهور هذه الأنماط الموسيقية، مما أثار استياء واسعا بين الحاضرين.
وأثارت اختيارات إدارة المهرجان لعدد من الفنانين المشاركين في حفلات منصتي النهضة وسلا، موجة من الانتقادات الواسعة، سواء من طرف الجمهور أو بعض الفنانين أنفسهم، الذين استغربوا تغييب أسماء مغربية وازنة، لها حضور فني قوي وقاعدة جماهيرية عريضة، مقابل إفساح المجال لفنانين يفتقرون إلى رصيد فني.
واتهم منتقدون إدارة المهرجان بتغليب منطق العلاقات الشخصية والمحاباة على معايير الكفاءة والإنجاز الفني، مشيرين إلى أن المشهد الفني المغربي يزخر بأسماء شابة تحقق أرقام مشاهدة عالية، وتتصدر الترندات الرقمية، وكان من الأجدر منحها فرصة الظهور على منصات “موازين”.
وفي هذا الصدد ، عبّر عدد من النشطاء عن استيائهم من تكرار دعوة بعض الفنانين للمشاركة في المهرجان للعام الثاني على التوالي، رغم عدم توفرهم على جديد فني أو قاعدة جماهيرية واسعة، ما أثار تساؤلات حول شفافية معايير الاختيار.
فرض هوية وطنية قسرية يفجر غضب الجمهور
أثارت بعض الممارسات التي شهدها مهرجان موازين في دورته العشرين موجة استياء بين المغاربة، الذين اعتبروا أنها تمس بصورة المغرب وتعكس تصرفات غير لائقة تسيء إلى المملكة، ضمنها فرض حمل قميص المنتخب الوطني على الفنانين على منصة النهضة، ورفع العلم المغربي بشكل متكرر، بالإضافة إلى صعود فنانات إلى منصة “العمارية المغربية”.
ورأى منتقدون أن فرض حمل القميص الوطني وأخذ الصور به يُعد تقليلا من قيمة الرمزية الوطنية، خصوصا في غياب رد فعل يعكس الاحترام والتقدير اللائق، إذ أثارت مشاهد صعود مقدمة الحفل في كل سهرة لتقديم باقة ورد، وكرة وقميص وطني لفنان أو فنانة، استغراب الكثيرين الذين وصفوها بلقطات مكررة وغير مبررة، بل ومستفزة في أحيان كثيرة، معتبرين أن المغرب ليس بحاجة إلى هذا النوع من الترويج الرمزي المبالغ فيه.
ولفت عدد من المتابعين إلى أن طقس “الحمل على الأكتاف” في منصة العمارية، هو تقليد مغربي أصيل مخصص للعروس، ويحمل طابعا خاصا من الهيبة والقدسية، ما يجعل من غير اللائق أن تصعد إليه فنانة بزي لا يليق برمزية المناسبة، كما حدث مع الفنانة اللبنانية ديانا حداد وعدد من الفنانات العربيات اللواتي استقبلن بنفس الطريقة في وقت سابق.
وفي حادثة أثارت جدلا واسعا، ألقت المغنية الشعبية نادية العروسي بسلهام كانت ترتديه، ويحمل ألوان العلم الوطني المغربي ونجمته، من أعلى المنصة باتجاه الجمهور، ما اعتبره كثيرون تصرفا يعكس عدم احترام لقدسية العلم ورموز المملكة، إذ عبر عدد من النشطاء عن استيائهم من الطريقة التي تم بها رمي السلهام على الأرض.
وتسلط هذه الحوادث الضوء مجددا على غياب التأطير الثقافي والفني للفنانين خلال المهرجان، وغياب دور إدارة الأعمال في توجيه وتوعية الفنانين حول أهمية احترام الرموز الوطنية، إلى جانب غياب الوعي لدى المنظمين ومقدمة الحفل التي سلمت العلم دون تنظيم أو ضبط للموقف.
أزمة “هولوغرام” عبد الحليم حافظ ومطالب بإقالة مدير المهرجان
وضع حفل “الهولغرام” للفنان الراحل عبد الحليم حافظ إدارة المهرجان في مأزق مع عائلة الفنان التي طالبت بإقالة عبد السلام أحيزون، مدير المهرجان، وقررت مقاضاته على خلفية ما وصفته بـ”تشويه صورة حليم”.
وأكدت العائلة تمسكها بالمضي قدما في الإجراءات القانونية ضد إدارة مهرجان موازين وجمعية “مغرب الثقافات”، معتبرة أن العرض الذي قُدم باستخدام تقنية الهولوغرام يعد تعديا واضحا على حقوق الملكية الفكرية وحقوق الورثة، بالإضافة إلى كونه مسيئا لتاريخ الفنان وسمعته.
وفي تصريحات لوسائل إعلام مصرية، وصفت العائلة العرض بأنه “كارتوني وبهلواني”، يُسيء إلى صورة عبد الحليم حافظ وإلى رموز الفن المصري والعربي بشكل عام، معربة عن استيائها من إخراج العرض السيئ والتنظيم الضعيف من جانب إدارة المهرجان، فضلا عن رداءة جودة الصوت والصورة وارتفاع أسعار التذاكر.
ونددت العائلة بظهور الفنان في بعض المشاهد بنصف جسد فقط، ما اعتبرته تشويهاً لمسيرته الفنية العريقة، مشيرة إلى أنها بالتعاون مع الشركة المنتجة، اقترحت على إدارة المهرجان تقديم العرض بشكل احترافي يحترم مكانة الفنان وتاريخه، إلا أن الإدارة رفضت هذه المقترحات.
وتتصاعد الانتقادات الموجهة إلى عبد السلام أحيزون بسبب فشل إدارة المهرجان في تنظيم فعالياته بشكل جيد، بينما تشير مصادر مطلعة إلى وجود تحركات جادة تهدف إلى إنهاء احتكار جمعية “مغرب الثقافات” تنظيم مهرجان موازين، بعد تكرار الإخفاقات التي اعتبرها البعض “مهينة للذوق العام والثقافة المغربية”.
إخفاقات تنظيمية جسيمة تطبع الدورة العشرين
وشهدت الدورة الـ20 من موازين سلسلة من إخفاقات تنظيمية جسيمة، تمثلت في غياب الالتزام بالمواعيد المعلنة لعقد الندوات، وإلغاء بعضها في اللحظات الأخيرة أو برمجتها دون أن تُعقد، خصوصا الندوات التي كان من المقرر أن يشارك فيها فنانون عرب.
وتميزت الأيام الأولى من المهرجان بارتباك واضح في التنظيم، إذ حاولت الجهة المشرفة تدارك الأخطاء والهفوات، لكنها غرقت في سوء التدبير والتسيير حتى نهاية المهرجان، مما أثر سلبا على سمعة الحدث.
ولم تسلم إدارة المهرجان من اتهامات بالمحاباة لفنانين غير مغاربة في الاستقبال والتنظيم، في مقابل تهميش واضح للفنانين المحليين، إلى جانب شكاوى تتعلق بالتمييز في معاملة الصحافيين، إذ حظي الصحافيون العرب بإمكانيات وخدمات أفضل مقارنة بنظرائهم المغاربة.
ولم تقتصر مشاكل التنظيم على التواصل المعيب مع الإعلاميين، بل شملت العديد من السهرات التي افتقدت أدنى معايير الجودة، كما حفل الفنان العراقي كاظم الساهر، الذي رافقه عدد من الإخفاقات التقنية والتنظيمية، أبرزها ضعف التجهيزات الصوتية وعدم فعالية مكيفات الهواء داخل القاعة، ما أثر على جودة الأداء وأجواء الحفل.
وأثار الحفل استياء عدد من الحضور الذين اضطروا للوقوف بسبب امتلاء المقاعد، على الرغم من أن عدد التذاكر المباعة يفترض أن يتناسب مع سعة القاعة، إذ وثقت عدسات الصحافيين هذه المشاهد، التي سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح مادة للسخرية وانتقادات حادة، ما وضع إدارة المهرجان في موقف محرج أمام الجمهور.
وفي محاولة لتفادي تكرار هذه الإشكالات، قررت إدارة المهرجان فرض قيود صارمة على التغطية الصحفية لحفل الفنانة ماجدة الرومي، وسط تخوفات من تكرار مشكلات التنظيم، بمنع الصحافيين من تغطية الحدث.
تعليقات 0