5 ديسمبر 2025 03:05
الرئيسيةأخبارالتشريع يبتغي تشبيب انتخابات 2026

التشريع يبتغي تشبيب انتخابات 2026

في ظل ما يشهده المغرب من دينامية تشريعية متجددة تأتي التعديلات المقترحة في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب لتمنح الشباب المغربي نَفَساً جديداً في مسار المشاركة السياسية، فقد تم التنصيص، لأول مرة، على جملة من التسهيلات القانونية والإجرائية، التي من شأنها أن تزيل بعض الحواجز التقليدية التي طالما أعاقت انخراط هذه الفئة في الاستحقاقات الانتخابية، سواء تعلق الأمر بتقليص الشروط المرتبطة بالترشح أو بدعم مسارات التمثيلية المستقلة.

هذه المقتضيات، التي وُصفت بـ”التفضيلية”، تتوخى تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وتعزيز المشاركة السياسية لفئة عمرية تمثل القلب النابض للمجتمع، غير أنها تفتح في الآن ذاته الباب أمام أسئلة تتعلّق بمدى نجاعة هذا التوجه، وقابليته للتحقق الميداني، ومدى استيعابه الرهانات الثقافية والاقتصادية التي مازالت تؤطر علاقة الشباب بالفعل السياسي. وفي هذا السياق استقت صفوة آراء عدد من الشباب المغاربة، يتوزعون بين مختلف المستويات الدراسية والمهنية، لاستطلاع قراءتهم الأولية لهذه التعديلات، واستشراف مدى تأثيرها على قرارهم بالترشح أو الانخراط في العملية السياسية مستقبلاً.

ويبدو أن التعديلات الأخيرة في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب لا تمرّ دون أن تثير تبايناً في القراءات بين الشباب المغربي، فبين من يعتبرها خطوة جريئة في اتجاه تفعيل المساواة وتعزيز التمثيلية، وبين من يرى فيها إجراءات شكلية لا تمسّ جوهر الإشكالات البنيوية التي تعيق مشاركة الشباب، تتقاطع المواقف عند نقطة مركزية: الحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تُترجم النصوص إلى واقع ملموس.

خطوة ضرورية

إلياس العيساوي، طالب في السنة الثانية من مسلك التكوين المهني في شعبة الهندسة المدنية، يرى أن تسهيل شروط الترشح أمام الشباب خطوة ضرورية، لكنها تظل غير كافية ما لم تُواكبها إصلاحات أعمق، ويعتبر أن خفض بعض القيود القانونية قد يفتح الباب أمام جيل جديد من الفاعلين، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في بناء الثقة بين الشباب والفاعلين السياسيين، وفي توفير مناخ يسمح بممارسة سياسية نزيهة وذات أثر فعلي.

وأضاف العيساوي في تصريح لجريدة صفوة الإلكترونية أن الرغبة في الانخراط السياسي موجودة لدى فئة واسعة من الشباب، لكنها تصطدم في كثير من الأحيان بإكراهات واقعية، من بينها ضعف التأطير، وغياب فرص التكوين السياسي الجاد، بالإضافة إلى الصورة السلبية التي تركها أداء بعض الأحزاب التقليدية، موردا أن تمكين الشباب من أدوات الفهم والممارسة، وتوسيع نطاق مشاركتهم في اتخاذ القرار، يمثلان مدخلاً أساسياً لإعادة الاعتبار للعمل السياسي وتحفيز المشاركة المواطِنة.

وتفاعلاً مع سؤال هسبريس حول مدى واقعية إحداث لوائح انتخابية خاصة بالشباب يرى الطالب ذاته أن هذه الإمكانية تُعد تقدّماً مهماً في مجال إشراك الفئات الصاعدة في الحياة السياسية، خصوصاً في ظل ما يُتيحه القانون التنظيمي الجديد من تسهيلات إجرائية ودعم مالي قد يصل إلى 75% من مصاريف الحملة.

غير أن المتحدث شدّد في الآن ذاته على أن التحدي لا يكمن فقط في الموارد، بل في غياب تقاليد حزبية داعمة للمبادرة الشبابية، وضعف شبكات التأطير والمواكبة التي من شأنها أن تُحول هذا الحق إلى واقع انتخابي فعلي، مردفا بأن مجرد منح الضوء الأخضر القانوني لا يكفي ما لم يُواكب بإرادة سياسية ومجتمعية تُمكّن الشباب من تجاوز الحواجز النفسية والتنظيمية التي لطالما همّشتهم في المشهد الانتخابي.

تحديات حقيقية

نوردين الكومري، طالب بسلك الماجستير في التدبير الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى أن القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب تضمّن عدداً من المقتضيات التي تسهّل على الشباب الانخراط في العمل السياسي والترشح للاستحقاقات المقبلة، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى قراءة متأنية لفهم نطاق تأثيره الفعلي.

وبالنظر إلى تكوينه الأكاديمي يعتبر الكومري أن تخصيص لائحة جهوية لفئة الشباب يمثل خطوة دستورية لتمكين هذه الفئة من ولوج المؤسسات التمثيلية، لكنه يُبقي الباب مفتوحاً أمام تحديات واقعية تتعلق بثقافة التزكية الحزبية، وآليات انتقاء المترشحين، وكذا مدى قدرة النصوص القانونية على ضمان عدالة المشاركة لا مجرّد تأطيرها شكلياً.

وأضاف الطالب ذاته، في تصريح لجريدة  صفوة الإلكترونية، أن من بين المستجدات اللافتة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب السماح بتقديم لوائح شبابية جهوية من طرف شباب غير منتمين للأحزاب السياسية، وهو مقتضى اعتبره إيجابياً من حيث المبدأ، لأنه يُوسّع قاعدة التمثيل ويفتح المجال أمام كفاءات شبابية غير مهيكلة حزبياً، لكنها معنية بالشأن العام.

ورغم ذلك شدد المتحدث ذاته على أن هذه الإمكانية تظل مشروطة بقدرة الشباب المستقلين على تعبئة الموارد المالية والبشرية، وإيجاد الأطر القانونية والتنظيمية التي تضمن لهم خوض غمار المنافسة الانتخابية في ظروف متكافئة؛ كما أشار إلى أن القانون وإن كان قدّم تسهيلات على مستوى الترشح إلا أن الإكراهات الواقعية المرتبطة بنمط الاقتراع وثقل التجربة الحزبية ما تزال تفرض حضوراً متفاوتاً للشباب داخل الخارطة السياسية، ما يتطلب مواكبة تشريعية وتكوينية أوسع لتعزيز فعالية المشاركة.

ويواصل الكومري قراءته في مضامين القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب مبرزاً أن عدداً من التعديلات التي جاء بها في نسخته الأخيرة، خاصة ما يتعلق بتوسيع آفاق المشاركة أمام الشباب، تمثل تجاوباً تشريعياً مع بعض الأصوات الصاعدة في المشهد العام، وعلى رأسها احتجاجات الجيل “زد” التي برزت بشكل لافت في الشهر الأخير، ويرى أن تخصيص لائحة جهوية للشباب غير المنتمين سياسياً خطوة تحمل بُعداً ديمقراطياً مهماً، إذ تُسهم في كسر احتكار الأحزاب لفرص الترشح، وتعطي مساحة لطاقات جديدة كانت تجد نفسها مهمشة في السابق.

ورغم تثمينه هذه المقتضيات يلفت الطالب إلى أن الأثر الفعلي لمثل هذه التدابير سيظل مرهوناً بتحولات أعمق على مستوى الثقافة السياسية للشباب، ويوضح أن عدداً من طلبة القانون الذين يحتكّ بهم في محيطه الدراسي لا يُبدون اهتماماً حقيقياً بالشأن العام، رغم تكوينهم النظري، ويعزو ذلك إلى فجوة ثقة قائمة بين الجيل الجديد والمؤسسات، ما يستدعي في رأيه مواكبة قانونية وتربوية، حتى تُترجم هذه التسهيلات إلى مشاركة فعّالة وليست رمزية.